العملاق الاناني - موقع شهريار

 قصة العملاق الاناني

قصة العملاق الاناني

بعد ظهر كل يوم، عندما كان الاطفال يعودون من المدرسة، كانوا يذهبون مباشرة الى حديقة العملاق ليلعبوا و يستمتعوا.

كانت حديقة كبيرة و جميلة، ذات عشب اخضر ناعم، تملاه الزهور الجميلة التي توضعت هنا وهناك مثل النجوم في السماء. و كانت هناك اثنتا عشر شجرة خوخ تفرعت اغصانها في فصل الربيع الى ازهار رقيقة من اللون الوردي و اللؤلؤي، لتحمل ثمارها الغنية في فصل الخريف، و كانت الطيور تجلس فوقها و تغرد باجمل الاصوات لدرجة ان الاطفال كانوا يتوقفون عن اللعب ليستمعوا لها.

كم نحن سعداء! وكم نحن محظوظون بوجودنا هنا! قال الاطفال لبعضهم البعض.

حتى اتى اليوم الذي عاد فيه العملاق الى قلعته بعد غياب طال سبع سنوات، قضاها العملاق في منزل صديقه عملاق الكورنيش، كان قد تخاصم مع صديقه في النهاية و عقد العزم على العودة الى قلعته، ليفاجا برؤية الاطفال يلعبون في حديقته.

مالذي تفعلونه هنا؟ صرخ العملاق باعلى صوته الاجش، ليهرب الاطفال خائفين.

قال العملاق محتقنا: حديقتي الخاصة هي حديقتي انا وحدي، يمكن لاي شخص ان يفهم ذلك، ولن اسمح لاي شخص اخر باللعب فيها. فبنى حوله سورا عاليا، و علق لوحة تقول: اي متسلل ستتم محاكمته.

لقد كان العملاق انانيا للغاية.

لم يعد للاطفال الفقراء اي مكان يلعبون فيه، حاولوا عدة مرات اللعب في الطريق المؤدي للغابة لكنه كان متربا، و مليئا بالحجارة الصلبة، فلم يكن مكانا امنا يصلح للعب، و كانوا كلما مروا بجانب السور العملاق بعد ان ينتهوا من الدراسة، يتذكرون الايام الجميلة التي كانوا يقضونها في الحديقة، فيقولوا لبعضهم البعض و الحسرة تملا عيونهم: كم كنا سعداء هناك!

ثم حل الربيع، و كانت الزهور تملا ارجاء الارض و الطيور تغرد في كل مكان، ماعدا حديقة الشتاء التي لم يغادرها الشتاء مطلقا، فالطيور لم تهتم بالغناء فيها اذ لم يعد هناك اطفال يستمتعون باصواتها، و لم تنمو زهرة واحدة، الا في احد المرات عندما حاولت زهرة النمو لكن اللوحة التي علقها العملاق كانت اول ما رات، فانزلقت مرة اخرى الى الارض و عادت للنوم.

لم يكن احد سعيدا في حديقة العملاق ماعدا الصقيع و الثلج الذي ملا المكان، غطى الثلج العشب بعباءته البيضاء الكبيرة، و طلى الصقيع كل الاشجار باللون الفضي، ثم ما لبثوا حتى نادوا ريح الشمال للبقاء معهم، و عندما جاء اخيرا لم يتوقف عن الصرير في الحديقة، و يفجر اعمدة المداخن بصوته الرهيب.

قالت الرياح: هذه بقعة مبهجة، يجب ان نطلب من البرد زيارته. و بالفعل جاء البرد راكضا، و كان يتارجح كل يوم على سطح القلعة حتى يكسر معظم الالواح، ثم يركض باسرع ما يمكنه حول الحديقة بملابسه الرمادية، و انفاسه الجليدية.

قال العملاق الاناني وهو يجلس وحيدا في قلعته العملاقة، و ينظر من النافذة الى حديقته البيضاء الباردة: لا افهم سبب تاخر قدوم فصل الربيع، آمل ان يكون هناك تغيير في الطقس.

لكن الربيع لم يات قط، ولا الصيف ايضا، وقد زار كل الحدائق المجاورة ليوزع الفواكه عليها، ما عدا حديقة العملاق الاناني، لذلك لم يغادرها الشتاء مطلقا، و كانت الرياح الشمالية رفقة اصدقائها الثلاث: البرد، و الصقيع، و الثلج تتراقص بين الاشجار طوال الوقت.

في صباح احد الايام، كان العملاق مستيقضا في سريره عندما سمع موسيقى جميلة تطرب اذنيه، و اكن جميلة لدرجة انه اعتقد بان فرقة الملك الموسيقية هي من تعزف في الخارج. في الحقيقة، لم يكن الامر سوى طائر صغير يغني خارج نافذته، لكن الوقت الطويل الذي مر عليه دون ان يسمع اي عصفور يغني في حديقته جعله يرى غناء العصفور كاجمل موسيقى في العالم.

ثم توقف البرد عن الرقص فوق سطح القلعة، و توقفت رياح الشمال عن الصرير، و تسللت اليه رائحة طيبة من بابه المفتوح، قال العملاق: اعتقد ان الربيع قد جاء اخيرا، وقفز من سريره لينظر الى الخارج.

 مالذي رآه العملاق يا ترى؟

راى اجمل مشهد وقعت عليه عيناه، فمن خلال ثقب صغير في الجدار، تسلل الاطفال الى الحديقة، وجلسوا على اغصان الاشجار، و في كل شجرة تمكن من رؤيتها وجد عليها طفلا صغيرا، و كانت الاشجار سعيدة للغاية بعودة الاطفال لدرجة انها غطت نفسها بالازهار، و كانت تلوح باغصانها بلطف فوق رؤوس الاطفال، و كانت الطيور تطير و تغرد بسعادة هي الاخرى، اما الزهور فكانت تنظر الى هذا المشهد بابتسامة كبيرة تعلو وجهها بين العشب الاخضر الذي يحيط بها.

لقد كان المشهد ساحرا للانظار، ما عدا في زاوية واحدة من الحديقة، كان يقف فيها صبي صغير، و قد كان صغيرا جدا لدرجة انه لم يتمكن من الوصول الى اغصان الشجرة، فبقي يتجول حولها و يبكي بمرارة. كانت الشجرة الوحيدة المغطاة بالثلوج، و كانت الرياح الشمالية تهب و تصر فوقها، قالت الشجرة للطفل الصغير: تسلق! تسلق ايها الصبي الصغير! ، و حنت اغصانها الى الاسفل قدر استطاعتها، لكن الصبي كان صغيرا للغاية و لم ينجح في الوصول.

ذاب قلب العملاق وهو ينظر الى الخارج، كم كنت انانيا، قالها بمرارة ثم اتبع: لقد عرفت الآن لم رفض الربيع زيارتي، ساضع الصبي الصغير على اغصان الشجرة ليلعب عليها، ثم ساهدم الجدار بعد ذلك و اجعل من حديقتي ملعبا للاطفال الى الابد.

لقد كان العملاق حقا آسفا على التصرف الذي قام به من قبل.

 وهكذا تسلل العملاق الى الطابق السفلي، و فتح الباب بلطف شديد، و خرج الى الحديقة. لكن عندما رآه الاطفال خافوا للغاية لدرجة انهم هربوا بسرعة، فحل الشتاء في الحديقة من جديد، و لم يبقى فيها سوى الصبي الصغير الذي لم يرى العملاق قادما لان عينيه كانتا مملوءتين بالدموع، فتسلل العملاق خلفه و امسكه برفق ووضعه على الشجرة، فازهرت على الفور، و جاءت الطير ترحب بالفتى الصغير بصوتها الجميل، ومد الفتى الصغير يديه حول عنق العملاق ليضمه و يعطيه قبلة على وجنته.

راى الاطفال الآخرون ان العملاق لم يعد شريرا بعد الان فعادوا مسرعين الى الحديقة و الربيع يركض معهم. قال العملاق: هذه حديقتكم الآن، ايها الاطفال الصغار، ثم اخذ فاسا كبيرا و اسقط الجدار. عندما خرج الناس من منازلهم ليتجهوا الى السوق في المساء، وجدوا العملاق يلعب مع الاطفال في اجمل حديقة راوها على الاطلاق.

لقد لعبوا طوال اليوم، وفي المساء ودعوا العملاق و عادوا الى منازلهم. 

تعليقات